الجمعة، 30 يناير 2009

بين الدين والديانة

" الطالمة الكبرى هي في الوسائل التي أخبرتنا بوجود الاله الواحد, أي الديانات, بحيث يعجز المرء عن معرفة دين الله ".
هذا ما قاله أحدهم في معرض الحديث عن الدين وعما هو السبيل الى الخلاص.
ويتابع الرجل : " لا تدخل الجنة الا عبر ايمانك باليهودية, لا تدخل الجنة الا عبر ايمانك بالمسيحية, لا تدخل الجنة الا عبر المحمدية, فليخبرني الله أولا ما هو دينه كي أعتنقه. "
اليقين هو أنه يخفى على الرجل أصلا ما معنى الدين, فهو يسعى للبحث عن الدين بين ديانات عدة ولا يفرق بين الدين والديانة مع أن الفرق واضح بين الكلمتين من حيث تركيبة كل منهما, ولكن مع هذه الفروقات "الطاسة ضائعة" ولا أحد يحاول أن يفقه حقيقة الفرق بين الدين والديانة.
الحقيقة هي أن كلمة "الديانة" لم ترد مرة واحدة في الكتاب, بينما "الدين" فنراه في كل أنحائه, ولنعلم ما قد يعنيه هذا المصطلح فعلينا أن نعود الى المصدر الذي ظهر فيه, والآيات التي يرد فيها كثيرة.
احدى الآيات تقول : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا ", وفيها نرى جيدا أن الدين الحسن انما يكون في الاسلام لله والاحسان, وأن ابراهيم عليه السلام كان مثالا عمن هم على الدين الصحيح. نصل هنا الى الاستنتاج أن الدين انما هو النظام الذي يتبعه الانسان, فالعنوان العريض للنظام المدعو اليه الانسان هو الاسلام لله مما يعني طبعا الاقرار به فمن يسلم وجهه لرب العالمين لا بد أنه يقر بوجوده, وطبيعة النظام الصحيح هو خليل الله ابراهيم عليه السلام.
تقول آية أخرى : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ",
اذا" الله أكمل النظام الذي يجب أن يسير عليه البشر في حيواتهم, وبالتالي فالدين انما مصدره الهي, وهنا السؤال المهم : هل ما يقوم به البشر هو ما ينص عليه الدين الحق الذي ارتضاه الله نظاما للبشر ؟
هل النظام الذي يتبعه البشر هو فعلا النظام أو الدين الذي أنعم الله به على الانسان والذي يجد فيه الخلاص من كل وهن ؟


اليقين هو أنه ما من عاقل يستطيع أن يدعي أن ممارساته هي الصواب, فما من انسان معصوم والكل معرض للخطأ, ليس فقط في أعماله بل في أفكاره ومعتقداته أيضا. وفي هذه النقطة أشرت سابقا الى ضرورة اخضاع أي معرفة نستقيها من أي مصدر كان, الى محكمة عقولنا والى عملية التأمل التي تغدو ضرورة لتمييز الخطأ من الصواب, والوهم من الحقيقة, دون حتى أن يوصل ذلك بسرعة الى الصواب المطلق فما من شيء كفيل بذلك الا رحلة طويلة, حياة واحدة لا تكفي للقيام بها على أكمل ما يكون, أي أن الرحلة تستوجب تضافر جهود المجتمع البشري بأسره. بالعودة الى موضوع الدين الأصيل, وأعني بهذه العبارة هنا وطوال الحديث طبعا الدين الذي ارتضاه الله نظاما للبشر, فلا أحد يمثله في ممارساته بل هو الذي يمثل الشكل الذي يجب أن تكون عليه ممارسات البشر. وان كان من بشر يتبع الدين بشكل صحيح بحيث يصبح مثالا يحتذى به, فبالطبع لا أحد يعلمه الا الله وهو الوحيد القادر على أن يحكم بصحة النظام الذي يتبعه أي شخص وتطابقه مع الدين, ومن الله نعلم أن ابراهيم هو من هؤلاء البشر.
ولتوضيح هذه النقطة, الكنيسة مثلا لا يمكنها بتاتا أن تمثل الدين حتى لو ادعت ذلك, ويمكن الذهاب الى حد القول أنها ابتعدت أشد البعد عن الدين من خلال دورها في الحروب وفي اشعال الفتن بين أنظمة الحكم في أوروبا بدل من السعي الى ارساء السلام, ومحاكم التفتيش في القرون الوسطى خير دليل على ابتعادها عن الدين ...
والأمر ينطبق أيضا على كل من يدعي أنه وكيل الله على الأرض, فما من بشر منهم يمثل الدين ولو ادعى ذلك.
اذا" فالدين هو النظام الذي يحكم حياة الانسان, فترى بعضا من البشر دينه هو السعي الى المال الوفير, ومنهم من دينه السعي الى التلذذ بحاضره الى أقصى حد حتى لو كان ذلك على حساب مستقبله, الى ما لا يحصى من أديان يتبعها البشر وهي بالطبع ذي مصدر بشري وليس الاهي, فاما الالهي فهو دين واحد لا ثاني له.


من هنا ننتقل الى الديانة ...
هي ليست بحاجة الى من يعرف عنها, وهناك العديد منها.
منها ما يطلق عليه لقب السماوي كالديانة اليهودية والديانة المسيحية والديانة
الاسلامية. ومنها ما هو ليس كذلك كالبهائية والهندوسية والبوذية والكنفوشية وغيرها. كل الديانات لها جذور في الدين, ويوجد فيما بينها العديد من التشابه لا سيما في ما يتعلق بطبيعة النظام, وليس في عنوانه الأساس بحيث نجد اختلافا بينها فمنها ما يدعو الى التوحيد ومنها ما يدعو الى الايمان بثالوث الخ, ويعود هذا التشابه الى أصل الديانات وهو الدين.
والسؤال هنا هو التالي :
اذا كانت الديانات كلها ذا أصل واحد, فلماذا الاختلاف بينها وكيف حصل هذا الاختلاف ؟ الجواب بسيط للغاية, وهو تيه البشر عن الدين الذي جاء به كل الرسل للناس, مع الاشارة الى أن المتأملين في الكون قد يصيبون من الدين قدرا مهما دون أن يكونوا بحاجة الى رسل يكونون وسطاء بين الله والانسان يوضحون هذا الدين, ومن هؤلاء كل الحكماء الذين كانوا يحثون شعوبهم على الخير ...
فالرسل اذا" جاؤوا جميعهم بدين واحد على مراحل زمنية متباعدة, وبعد رحيلهم تاه البشر عن بعض الدين فأصبحوا يدينون بالديانات (وسأورد بعض الأمثلة عن مكان ابتعاد الديانات عن الدين الأصيل برأيي تبعا لمحكمة الكتاب) مما استوجب طبعا رسلا آخرين ليصححوا تلك الديانات لتعود الى جوهر الدين. فموسى عليه السلام بشر بالدين بشرا لم يهدهم الله من قبل, ثم جاء المسيح عليه السلام ليصلح الديانة التي انبثقت عن الدين عند بني اسرائيل.


بين الدين والديانة ....
بالاذن من الدكتور علي شريعتي رحمة الله عليه, الذي أجله وأحترمه من كل قلبي على ما أتى به من حكمة بالغة عن المعنى الأصيل للتشيع, وبعد أن قام بمقارنة بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي, أسمح لنفسي أن أقيم مقارنة بين الدين والديانات, دون أن أسمي الديانة المعنية في كل مقارنة, تاركا ذلك الى استنتاجاتكم ...


في الدين .... كما قال الله في محكم كتابه, فان الحكمة هي هبة من الله يختص بها بعض البشر دون غيرهم, فتقول احدى الآيات : "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا أولوا الألباب" ...
ويأمر الله في الكتاب المسلمين الطاعة, طاعة الله والرسول وأولي الأمر من البشر, فتقول احدى الآيات :
" يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا "
اذا" فالدين يقوم على طاعة أنس قد وهبهم الله من لدنه الحكمة, والحكمة سهلة التمييز بين جهالة البشر, والبشر مدعوون الى طاعة أولي الأمر الذين يتميزون بها ...

أما في الديانة, فترى من بين أولي الأمر أو من يطلق عليهم اسم رجال الدين, من هو أشد الناس جهلا و"فتنوية" ومرسخا للفرقة بين المسلمين والبشر, وما فتوى رضاعة الكبير أو تقديم الورود للمريض الا أمثلة صارخة على جهل بعض هؤلاء, وما أحاديثهم الا خير دليل على فتنويتهم التي تصيب المجتمع المسلم والبشري بشكل عام مصابا بالغا بحيث أصبحنا نرى مسلمين يلحقون الأذى بالمساجد ويحرقونها لمجرد أنها لا تتبع الفرقة التي رسخها المفتنون قداسة في عقولهم ...

في الدين, يأمر الله البشر لا سيما المسلمين بالوحدة لأن الفرقة من نزغ الشيطان,
بل ويتوعد الذين يتفرقون في دينهم بالعقاب ...
تقول احدى الآيات : "وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد جاءتهم البينة وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويأتوا الزكاة وذلك دين القيمة ", في اشارة واضحة الى أمر الله والى الدين القيم ...
وتقول أخرى : " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ", وهي واضحة في القول أن محمدا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم انما هو براء من الذين تفرقوا في دينهم, أي أنه براء من كل من يزيد على كونه مسلما, أي أن يقول أنه سني أو شيعي أو غيرها من التسميات التي ترسخ الفرقة بين المسلمين ...
كذلك تقول آية ثالثة : " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ", وفيها توعد بالعقاب لكل من يقبلون بالفرقة, لمجرد أن ذلك يؤدي الى الفتنة والى الاقتتال وسقوط الأبرياء ضحايا جهالة البعض وتيههم عن دين الله الأوحد والأصيل ...
أما في الديانة, فترى في الديانة الواحدة فرق تكاد لا تحصى, والأنكى من ذلك يكفرون ويشتمون بعضهم البعض ويتقاتلون ويقتلون بعضهم البعض, حتى وصل بهم الأمر في الديانة الاسلامية (وهو أمر أشهد عليه من خلال الأنترنت في أيام خلت ولا أدري ان كان لا يزال قائما حتى اليوم) الى طلب فيديوهات ذبح مسلمي الفريق الآخر والتلذذ والتغني بها ...


في الدين, يكون كل البشر سواسية أمام ربهم لا يجزون في الدنيا وفي الآخرة الا ما كانوا يفعلون, مع تفضيل بعضهم على البعض الآخر بدرجات معينة تبعا لأعمالهم ولما يستحقون. ومن الأمثلة على هكذا تفضيل, اختيار شعب ما عبر التاريخ يرسل اليه الرسل يوضحون له الدين القيم ويهدونه من الظلمات الى النور ...
أما في الديانة, يعتقد أغلبية الشعب أنهم الشعب المختار من قبل الله في كل الأزمان والأوطان, وأن باقي البشر انما هم حثالة ومخلوقات أدنى مستوى مقارنة معهم, في مثال سافر على عنصربتهم. والأنكى من ذلك الذهاب الى حد تقديس أنفسهم, كما لو يتوجب على باقي البشر أن يكونوا خدما لهم, وان لم يفعلوا ذلك يرتكبون بحقهم الفظائع التي من سخرية القدر كانوا يتعرضون لها في زمن من الأزمان, فلم يكن ذلك كافيا لايقاظهم مما يرتكبون بأنفسهم اليوم من جرائم لا تقل وحشية عنها ...


في الدين, تكون للرسول المكلف بتفسير الدين أهمية رمزية وليس حقيقية, أي أن الخلاص يكون في اتباع الرسول اتباعا رمزيا, وذلك انما يكون في الحقيقة من خلال اتخاذ الدين الأصيل نظاما أوحدا في حياة الانسان. فطاعة الرسول تكون من خلال طاعة الله في ما جاء به في رسالته, بحيث قد يوجد بشر لم يسمعوا بذاك الرسول قط, الا أنهم يطيعونه في حيواتهم ويتبعون الدين في نظامهم اليومي, فيكون ذلك خلاصا لهم في الدنيا وفي الآخرة ...
أما في الديانة, تقول كل واحدة أن الخلاص لا يكون الا في اتباعها وفي طاعة الرسول الذي انبثقت عن رسالته, بحيث يكون مصير كل من لا يؤمن بذاك الرسول النار, ويعتبر في الدنيا من قبل القيمين على الديانة كافرا حتى ولو كان خيرا ومتبعا الدين في حياته اليومية ....


في النهاية, لا يبقى الا أن أستعرض بعض الآيات التي تتكلم عن الدين في القرآن, وهي أكبر شاهد ودليل على صحة التفسير الذي أتكلم عنه وعلى كون الدين أسمى من أي ديانة ومن أي ثقافة, وأنه لا يوجد الا دين واحد أتى به جميع الرسل والأنبياء وهو الدين الأصيل الذي يشكل بالطبع الغاية التي يجب أن تصبو اليها ديانات البشر, كما يشكل الوسيلة الوحيدة للخلاص في هذه الدنيا وللنجاة في الآخرة ...
سورة البقرة 112 بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
سورة آل عمران 83 أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون
آل عمران 85 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
النساء 125 ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا
النمل 44 قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمن لله رب العالمين
الزمر 54 وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون
البقرة 132 ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يبني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
آل عمران 19 إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب
يوسف 40 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون
الروم 30 فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون
البينة 5 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق