السبت، 8 نوفمبر 2008

تراجيديا

في كل هذا الوقت (غالبا معظم الوقت), وجدت نفسي أعيش جحيما لا يوصف. والمضحك المبكي أن هذا الجحيم كتب لي, لأن ما ينتظرني خارج الغرفة أعظم بشاعة بأضعاف مضاعفة.

ما من موقف أكثر صعوبة من أن يجد المرء نفسه واقفا في قلب الصحراء حيث محى القدر أي أثر لمفترقات الطرق, مذهولا من هيبة الأفق المشتعل بلهيب المجهول, هائما لا يدري مشارق الأرض من مغاربها, وقد نال منه العطش منالا عظيما وحكم عليه بالخرس, فلا هو قادر أن يستنجد ولا أن يستصرخ.
والأصعب من ذلك, أن يستجمع في لحظة الأمل اذا ما أبصر سرابا في البعيد, ما تبقى من قواه الخائرة ليطلق صرخة يخالها مدوية وما هي بمدوية, ربما لأن البشر قد نهموا من الخيال من رفعهم الى مصاف الملائكة وأبعدهم الى الأبد عن لهيب الصحراء وحريقها, او ربما لأنهم عمي كفاية ليقتنعوا أنهم في الحقيقة انما يقومون بالاستجمام في هذا المكان الجهنمي, وأن هذا المجنون الذي يستصرخ ويهذي ما هو الا مغامر شرب من كأس السعادة القصوى ما أسكره وجعله يتمايل مع ذرات الرمال التي تنسفها الريح نسفا.
لا حياة لمن تنادي ...

عجبا من هذه الصحراء ما أقحلها ولكم تثير الحزن في نفسي !!
كيف أن الذئاب تعترضه كل يوم لتنهش من لحمه دون أن تقضي عليه, لأنه قدر له
ان ينهض كل مرة دون أن تلتئم جراحه.
والأعجب من ذلك, أن يبلغ منه التسليم درجة أن يدعو الذئاب الى الصبر حتى تخطفه المنايا, فتزدرده عندها لقمة سائغة, وتجنب نفسها عذاب أنينه الصامت الذي يهوي بها الى أعماق الجحيم دون أن تدري, وكيف أنها تأبى ذلك, ربما لأنها ترى فيه حيلة يريد منها المسكين الهروب الى حيث لا أدري في تلك الصحراء (ان كان هنالك مكان للهرب اليه), أو ربما لأنها لا تجد ما يشبع بطونها غير لحمه المحترق بحرارة المجهول ولا ما يروي ظمأها الا دمه الذي كاد يجف في عروقه الظمآنة, أو لأنها قد صدقت أنه رجل خير الى درجة أن يقدم لها نفسه بطيبة خاطر وجبة سائغة !!

على ضوء المصباح الشاحب, تراءى لي المصير المظلم الذي تأبى الانسانية الا أن تسير بثبات الى براثنه, والتراجيديا المملة التي تقع فيها كل فترة من الزمن (تمتد على قرون عدة) بحيث يضيع الأمل بين فسق الفاسقين وتعنت المتعنتين, غير أنني بعدما لقيته من الفئة الأولى أصبحت أقدر ما يرى فيه البعض عنجهية وتسلطا في الدين سيما الاسلام, عند الفئة الثانية, وأصبحت أميل اليه ميلا عظيما ...
ولكن مع هذا, ما زلت أنكر الاثنين وأنظر بحزن عميق الى الانسان العالق بين المطرقة والسندان الذي جل ما يقدر أن يأمل هو أن يسير في طريقه بصمت مطبق وحذر شديد حتى تقضي المنايا بما تقضيه.

كتبت بتاريخ الأربعاء 27 كانون الأول ديسمبر 2006



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق